[center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
إعمار المساجد بالصلاة
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
قال - تعالى -: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) [التوبة18].
لقد أحزنني كثيراً أن بيوت الله - جل وعلا - في الصلوات الخمس خالية إلا ممن رحم ربي..، لقد هجرها العباد في الوقت الذي عمروا فيه دور السينما والمسارح، وافترشوا الحدائق والنوادي، وخالفوا ما كان عليه نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة الصالح من المحافظة على أداء الصلوات جماعة في المسجد، وتعمير بيوت الله، وعدم الصلاة في البيوت إلا لأصحاب الأعذار، وللأسف الشديد تجد الكثير من المساجد روادها لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، وخصوصاً في صلاة الفجر والعشاء، وهما أثقل صلاة على المنافقين كما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً))، والسؤال الذي يطرح نفسه أين يذهب العباد؟ لماذا يتركون الصلاة في بيوت الله، ويفضلون الصلاة في ديارهم؟ هل الصلاة في الديار سنة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟ ما هي الأعذار في ترك الصلوات المفروضة في بيوت الله - تعالى -؟ هل من الأعذار أن مباراة القمة حامية الوطيس، وتحدد بطل الدوري، ونحن شعب يحب الكرة، والكرة أجوان كما يقولون وربك رب قلوب وهوأرحم الراحمين؟
اما من الأعذارالمبيحة للصلاة في البيوت؛ أن الليلة الحلقة الأخيرة من المسلسل العربي، وصلاة العشاء ممدودة كما يفتي بذلك من لا علم له ولا فقه إلى الفجر؟
ألم يعلم أنه بمجرد أن ينتصف الليل فقد انتهى الوقت المفروض فيه صلاة العشاء، ويبدأ يوماً جديداً، والصلاة بعد ذلك لابد منها؛ لأن لا كفارة للعبد إلا أن يصليها، وإلا تعرض لسخط الله؛ لأنه يكون قد ترك الصلاة متعمداً حتى خروج وقتها بدون عذر مقبول شرعاً، ومن يفعل ذلك يقع تحت الوعيد الشديد في قوله - تعالى -: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون:1-2] وويل: وادي في جهنم تستعيذ منه النار؛ لشدة حره، والعياذ بالله رب العالمين، فعليك أخي المسلم بالمحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها كما قال تعا لى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) [النساء:103] واحذر ترك الجماعة في بيوت الله بدون عذر.
وإليك الأعذار الشرعية للصلاة في البيوت أو تأخيرها، والله المستعان.
* يرخص التخلف عن الجماعة في الحالات الآتية:
- البرد أو المطر الشديد والدليل على ذلك: عن ابن عمر -رضى الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة. ينادي: ((صلوا في رحالكم)) في الليلة الباردة المطيرة في السفر، وعن جابر رضى الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فمطرنا فقال: ((ليصل من شاء منكم في رحله "أي: منزله")) قال الفقهاء: ومثل البرد الحر الشديد، والظلمة، والخوف من ظالم، وقال ابن بطال: أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة في شدة المطر والظلمة والريح... وما أشبه ذلك يباح. انتهى
- حضور الطعام: والدليل حديث ابن عمر -رضى الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل، حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة)) ويلاحظ أن جمهور الفقهاء يرى كراهة تقديم الصلاة على الطعام اذا حضر، ومحل ذلك إذا اتسع الوقت، وإلا لزم تقديم الصلاة [انظر فقه السنة/1].
أما الاحتيال واتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء التي طبعت على حب المعصية والكسل، فيبيح الإنسان لنفسه ترك صلاة الجماعة بحجة حضور الطعام، ثم لا يأكل ما يسد جوعه، وينهض ليلحق بالصلاة، وإنما يفترش، ويأكل، ويطيل، وربما يشرب الشاي، ويدخن له سيجارة حتى لا يبقى أحد في المسجد، ثم يقول قد فاتته الصلاة وهو معذور.. ليصلي إذاً في بيته، فهذا وأمثاله نقول له قول الله - تعالى -: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) [سورة القيامة: 14-15].
- مدافعة الأخبثين: ودليل ذلك ما جاء عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين))، وأيضاً ما جاء عن أبي الدرداء -رضى الله عنه- قال: قال: صلى الله عليه وسلم-: ((من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ)).
ومن ثم.. فإن ترك الجماعة مع القدرة عليها، ودون عذر؛ ضياع لثواب عظيم، واذكر هنا حديثاً واحداً فيه الكفاية؛ ليدرك المسلم ما في ترك الجماعة من ضياع ثواب عظيم، سوف يندم عليه بعد ذلك. عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، ما لم يحدث تقول: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) [متفق عليه، وهذا اللفظ للبخاري].
والبعض هداهم الله - تعالى - يتخذ من ترك الجماعة في المسجد والصلاة في بيته حجة واهية، فيقول: الصلاة في المسجد فرض كفاية، لا فرض عين، إن قام به البعض سقط عن الآخرين –أي: يريد أن يقول: إن صلاته في بيته منفرداً للصلوات المفروضة ليس حراماً ولا إثم عليه!!-، فما حقيقة هذا القول، وما أدلته؟.
حقيقة الأمر أن علماء السلف الصالح، اختلفوا في هذه المسأله، وطرح كل فريق أدلته من الكتاب والسنة، وفى كتاب: "لصلاة وحكم تاركها" لابن القيم الجوزية بحث نفيس حيث ذكر أدلة كل فريق، فيرجع إليه من شاء، وسوف اذكر هنا الأدلة الواضحة الجلية من الكتاب والسنة من خلال كتاب ابن القيم هذا؛ لأدلل على وجوب الصلاة في المسجد، وتحريمها في البيوت، وهو الرأي الحق الذي ندين الله به، ونعمل على نشره وبيانه، أما القول الآخر: فهو خطأ وبعيد عن الصواب، وأدلته لا تسلم من العلل والتفسيرات الخاطئة.
*الدليل الاول: قال - تعالى -: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة مهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) [سورة النساء: 101- 103]، ووجه الاستدلال بالآية: أمره - سبحانه وتعالى - لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر ثانية في حق الطائفة الثانية، وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان؛ إذ لم يسقطها - سبحانه - عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الاولى.
*الدليل الثاني: قال - تعالى -: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خاشعة أباصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) [القلم:42-43] ووجه الاستدلال بها: أنه - سبحانه - عاقبهم يوم القيامة بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا، فأبوا أن يجيبوا الداعي، إذا ثبت هذا فإجابة الداعي هي إتيان المسجد لحضور الجماعة، لا فعلها في بيته وحده، فهكذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإجابة فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم..، قال: ((فأجب))، فلم يجعل مجيبًا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء، فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة.
* الدليل الثالث: - ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي الشعثاء المحاربي -رضى الله عنه- قال: كنا قعوداً في المسجد فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة ببصره حتى خرج من المسجد، فقال: أما هذا فقد عصى ابا القاسم".
ووجه الاستدلال به: أنه جعله عاصياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروجه بعد الآذان، لتركه لصلاة الجماعة، ومن يقول الجماعة ندب يقول: لا يعص الله ورسوله من خرج بعد الآذان، وصلى وحده.
وقد احتج ابن المنذر في كتابه الأوسط على وجوب الجماعة بهذا الحديث وقال: لو كان المرء مخيراً في ترك الجماعة وإتيانها لم تجز أن يعصي عما لا يجب عليه أن يحضره، والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها، وإن شاء تركها، يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة، بل يجوز له أن يجلس فلا يصلي مع الإمام، فإذا صلوا قام فصلى وحده، ولو راء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من يفعل هذا؛ لانكروا عليه غاية الإنكار.
* الدليل الرابع: - عن أبي هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)).
*الدليل الخامس: - ما جاء من آثار السلف الصالح:
من ذلك قول ابن مسعود -رضى الله عنه- قال: "من سره أن يلقي الله - تعالى -غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن شرع الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو إنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف".
ومن ذلك قول علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد..، قيل ومن جار المسجد؟ قال: من يسمع المنادي".
ومن ذلك قول عطاء بن رباح - رحمه الله -: "ليس لأحد من خلق الله في القرية والحضر رخصة إذا سمع النداء أن يدع الصلاة جماعة".
ومن ذلك ما قاله الأوزاعى: "لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، يسمع النداء أو لم يسمع".
وبعد.. هذه خمس من الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة الصحيحة وآثار السلف الصالح في وجوب الصلاة في المساجد، وتحريم الصلاة في البيوت دون عذر شرعي.
وليكن المرء على ثقة أن الصلاة جماعة في المسجد واجبة وتاركها معاقب، وإن وجدت اختلافات في هذه المسألة بين علمائنا، ففي الأدلة والبراهين الساطعة من القرآن والسنة التي ذكرناها حجة على القائلين بعكس ذلك.
وما يثير دهشتي وعجبي أننا نجادل ولا نعمل، فهؤلاء الأئمة من العلماء والفقهاء من سلفنا الصالح إنما كانوا يريدون باختلافهم الرحمة بالأمة، ولم يقل أحد أن من كان يؤيد أن الصلاة في المسجد سنة أو فرض كفاية من هؤلاء الأئمة رحمة الله عليهم أجمعين.
أقول: لم ينقل لنا مع رأيهم هذا في فهم النصوص أن واحداً منهم كان يواظب على الصلاة منفرداً في بيته، بل كانوا جميعاً يعمرون بيوت الله - تعالى - ليل نهار بالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وحلقات العلم، وإنما كان تأويلهم للنصوص رحمة بالأمة لا أكثر ولا أقل.
أما نحن فإننا للأسف الشديد نجادل بغير علم، ولا عمل؛ نريد رخصة، أو فتوى، أو شماعة نعلق عليها تقصيرنا في حق الله - تعالى -، ونجلس في بيوتنا نشاهد الأفلام الخليعة، والمسلسلات الرديئة، ونفترش الحدائق والنوادي، ونجلس الساعات الطويلة على المقاهي نلعب ونلهو، فإذا سمعنا النداء بالصلاة: (حي على الصلاة.. حي على الفلاح) إذا بالكثير منا إلا من رحم ربي لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم عيون لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال - تعالى -: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [سورة الحديد: 20].
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
دمتم برعاية الله
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
إعمار المساجد بالصلاة
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
قال - تعالى -: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) [التوبة18].
لقد أحزنني كثيراً أن بيوت الله - جل وعلا - في الصلوات الخمس خالية إلا ممن رحم ربي..، لقد هجرها العباد في الوقت الذي عمروا فيه دور السينما والمسارح، وافترشوا الحدائق والنوادي، وخالفوا ما كان عليه نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة الصالح من المحافظة على أداء الصلوات جماعة في المسجد، وتعمير بيوت الله، وعدم الصلاة في البيوت إلا لأصحاب الأعذار، وللأسف الشديد تجد الكثير من المساجد روادها لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، وخصوصاً في صلاة الفجر والعشاء، وهما أثقل صلاة على المنافقين كما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً))، والسؤال الذي يطرح نفسه أين يذهب العباد؟ لماذا يتركون الصلاة في بيوت الله، ويفضلون الصلاة في ديارهم؟ هل الصلاة في الديار سنة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟ ما هي الأعذار في ترك الصلوات المفروضة في بيوت الله - تعالى -؟ هل من الأعذار أن مباراة القمة حامية الوطيس، وتحدد بطل الدوري، ونحن شعب يحب الكرة، والكرة أجوان كما يقولون وربك رب قلوب وهوأرحم الراحمين؟
اما من الأعذارالمبيحة للصلاة في البيوت؛ أن الليلة الحلقة الأخيرة من المسلسل العربي، وصلاة العشاء ممدودة كما يفتي بذلك من لا علم له ولا فقه إلى الفجر؟
ألم يعلم أنه بمجرد أن ينتصف الليل فقد انتهى الوقت المفروض فيه صلاة العشاء، ويبدأ يوماً جديداً، والصلاة بعد ذلك لابد منها؛ لأن لا كفارة للعبد إلا أن يصليها، وإلا تعرض لسخط الله؛ لأنه يكون قد ترك الصلاة متعمداً حتى خروج وقتها بدون عذر مقبول شرعاً، ومن يفعل ذلك يقع تحت الوعيد الشديد في قوله - تعالى -: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون:1-2] وويل: وادي في جهنم تستعيذ منه النار؛ لشدة حره، والعياذ بالله رب العالمين، فعليك أخي المسلم بالمحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها كما قال تعا لى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) [النساء:103] واحذر ترك الجماعة في بيوت الله بدون عذر.
وإليك الأعذار الشرعية للصلاة في البيوت أو تأخيرها، والله المستعان.
* يرخص التخلف عن الجماعة في الحالات الآتية:
- البرد أو المطر الشديد والدليل على ذلك: عن ابن عمر -رضى الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة. ينادي: ((صلوا في رحالكم)) في الليلة الباردة المطيرة في السفر، وعن جابر رضى الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فمطرنا فقال: ((ليصل من شاء منكم في رحله "أي: منزله")) قال الفقهاء: ومثل البرد الحر الشديد، والظلمة، والخوف من ظالم، وقال ابن بطال: أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة في شدة المطر والظلمة والريح... وما أشبه ذلك يباح. انتهى
- حضور الطعام: والدليل حديث ابن عمر -رضى الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل، حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة)) ويلاحظ أن جمهور الفقهاء يرى كراهة تقديم الصلاة على الطعام اذا حضر، ومحل ذلك إذا اتسع الوقت، وإلا لزم تقديم الصلاة [انظر فقه السنة/1].
أما الاحتيال واتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء التي طبعت على حب المعصية والكسل، فيبيح الإنسان لنفسه ترك صلاة الجماعة بحجة حضور الطعام، ثم لا يأكل ما يسد جوعه، وينهض ليلحق بالصلاة، وإنما يفترش، ويأكل، ويطيل، وربما يشرب الشاي، ويدخن له سيجارة حتى لا يبقى أحد في المسجد، ثم يقول قد فاتته الصلاة وهو معذور.. ليصلي إذاً في بيته، فهذا وأمثاله نقول له قول الله - تعالى -: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) [سورة القيامة: 14-15].
- مدافعة الأخبثين: ودليل ذلك ما جاء عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافع الأخبثين))، وأيضاً ما جاء عن أبي الدرداء -رضى الله عنه- قال: قال: صلى الله عليه وسلم-: ((من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ)).
ومن ثم.. فإن ترك الجماعة مع القدرة عليها، ودون عذر؛ ضياع لثواب عظيم، واذكر هنا حديثاً واحداً فيه الكفاية؛ ليدرك المسلم ما في ترك الجماعة من ضياع ثواب عظيم، سوف يندم عليه بعد ذلك. عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، ما لم يحدث تقول: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) [متفق عليه، وهذا اللفظ للبخاري].
والبعض هداهم الله - تعالى - يتخذ من ترك الجماعة في المسجد والصلاة في بيته حجة واهية، فيقول: الصلاة في المسجد فرض كفاية، لا فرض عين، إن قام به البعض سقط عن الآخرين –أي: يريد أن يقول: إن صلاته في بيته منفرداً للصلوات المفروضة ليس حراماً ولا إثم عليه!!-، فما حقيقة هذا القول، وما أدلته؟.
حقيقة الأمر أن علماء السلف الصالح، اختلفوا في هذه المسأله، وطرح كل فريق أدلته من الكتاب والسنة، وفى كتاب: "لصلاة وحكم تاركها" لابن القيم الجوزية بحث نفيس حيث ذكر أدلة كل فريق، فيرجع إليه من شاء، وسوف اذكر هنا الأدلة الواضحة الجلية من الكتاب والسنة من خلال كتاب ابن القيم هذا؛ لأدلل على وجوب الصلاة في المسجد، وتحريمها في البيوت، وهو الرأي الحق الذي ندين الله به، ونعمل على نشره وبيانه، أما القول الآخر: فهو خطأ وبعيد عن الصواب، وأدلته لا تسلم من العلل والتفسيرات الخاطئة.
*الدليل الاول: قال - تعالى -: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة مهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) [سورة النساء: 101- 103]، ووجه الاستدلال بالآية: أمره - سبحانه وتعالى - لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر ثانية في حق الطائفة الثانية، وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان؛ إذ لم يسقطها - سبحانه - عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الاولى.
*الدليل الثاني: قال - تعالى -: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خاشعة أباصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) [القلم:42-43] ووجه الاستدلال بها: أنه - سبحانه - عاقبهم يوم القيامة بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا، فأبوا أن يجيبوا الداعي، إذا ثبت هذا فإجابة الداعي هي إتيان المسجد لحضور الجماعة، لا فعلها في بيته وحده، فهكذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإجابة فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم..، قال: ((فأجب))، فلم يجعل مجيبًا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء، فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة.
* الدليل الثالث: - ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي الشعثاء المحاربي -رضى الله عنه- قال: كنا قعوداً في المسجد فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة ببصره حتى خرج من المسجد، فقال: أما هذا فقد عصى ابا القاسم".
ووجه الاستدلال به: أنه جعله عاصياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروجه بعد الآذان، لتركه لصلاة الجماعة، ومن يقول الجماعة ندب يقول: لا يعص الله ورسوله من خرج بعد الآذان، وصلى وحده.
وقد احتج ابن المنذر في كتابه الأوسط على وجوب الجماعة بهذا الحديث وقال: لو كان المرء مخيراً في ترك الجماعة وإتيانها لم تجز أن يعصي عما لا يجب عليه أن يحضره، والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها، وإن شاء تركها، يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة، بل يجوز له أن يجلس فلا يصلي مع الإمام، فإذا صلوا قام فصلى وحده، ولو راء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من يفعل هذا؛ لانكروا عليه غاية الإنكار.
* الدليل الرابع: - عن أبي هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)).
*الدليل الخامس: - ما جاء من آثار السلف الصالح:
من ذلك قول ابن مسعود -رضى الله عنه- قال: "من سره أن يلقي الله - تعالى -غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن شرع الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو إنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف".
ومن ذلك قول علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد..، قيل ومن جار المسجد؟ قال: من يسمع المنادي".
ومن ذلك قول عطاء بن رباح - رحمه الله -: "ليس لأحد من خلق الله في القرية والحضر رخصة إذا سمع النداء أن يدع الصلاة جماعة".
ومن ذلك ما قاله الأوزاعى: "لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، يسمع النداء أو لم يسمع".
وبعد.. هذه خمس من الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة الصحيحة وآثار السلف الصالح في وجوب الصلاة في المساجد، وتحريم الصلاة في البيوت دون عذر شرعي.
وليكن المرء على ثقة أن الصلاة جماعة في المسجد واجبة وتاركها معاقب، وإن وجدت اختلافات في هذه المسألة بين علمائنا، ففي الأدلة والبراهين الساطعة من القرآن والسنة التي ذكرناها حجة على القائلين بعكس ذلك.
وما يثير دهشتي وعجبي أننا نجادل ولا نعمل، فهؤلاء الأئمة من العلماء والفقهاء من سلفنا الصالح إنما كانوا يريدون باختلافهم الرحمة بالأمة، ولم يقل أحد أن من كان يؤيد أن الصلاة في المسجد سنة أو فرض كفاية من هؤلاء الأئمة رحمة الله عليهم أجمعين.
أقول: لم ينقل لنا مع رأيهم هذا في فهم النصوص أن واحداً منهم كان يواظب على الصلاة منفرداً في بيته، بل كانوا جميعاً يعمرون بيوت الله - تعالى - ليل نهار بالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وحلقات العلم، وإنما كان تأويلهم للنصوص رحمة بالأمة لا أكثر ولا أقل.
أما نحن فإننا للأسف الشديد نجادل بغير علم، ولا عمل؛ نريد رخصة، أو فتوى، أو شماعة نعلق عليها تقصيرنا في حق الله - تعالى -، ونجلس في بيوتنا نشاهد الأفلام الخليعة، والمسلسلات الرديئة، ونفترش الحدائق والنوادي، ونجلس الساعات الطويلة على المقاهي نلعب ونلهو، فإذا سمعنا النداء بالصلاة: (حي على الصلاة.. حي على الفلاح) إذا بالكثير منا إلا من رحم ربي لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم عيون لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال - تعالى -: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [سورة الحديد: 20].
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
دمتم برعاية الله