[center]الأصول الثلاثة وادلتها
للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة
إعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
الأولى : العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ، الثانية : العمل به ، الثالثة : الدعوة إليه ، الرابعة : الصبر على الأذى فيه ، والدليل قوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم * والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ) .
وقال البخاري رحمه الله تعالى : ( باب العلم قبل القول والعمل ) ، والدليل قوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله وإستغفر لذنبك } فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .
إعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن :
الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا رسولا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ، والدليل قوله تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم.
كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا } .
الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل والدليل قوله تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } .
الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، والدليل قوله تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } .
إعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصا له الدين وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ومعنى يعبدون يوحدون ، وأعظم ما أمر الله به التوحيد : وهو إفراد الله بالعبادة ، وأعظم ما نهى عنه الشرك : وهو دعوة غيره معه ، والدليل قوله تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } .
********************
فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟
فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم .
فإذا قيل لك : من ربك ؟ . . . فقل : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه ، وهو معبودي ليس لي معبود سواه ، والدليل قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } وكل من سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم .
فإذا قيل لك : بم عرفت ربك ؟ . . . فقل : بآياته ومخلوقاته ، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهما ، والدليل قوله تعالى: { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } وقوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } .
والرب هو المعبود ، والدليل قوله تعالى : { يا أيها الناس إعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : ( الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى ) والدليل قوله تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ، والدليل قوله تعالى : { ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون } .
وفي الحديث : ( الدعاء مخ العبادة ) والدليل قوله تعالى : { وقال ربكم إدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } .
ودليل الخوف قوله تعالى : { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } ودليل الرجاء قوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ودليل التوكل قوله تعالى : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } وقال : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ودليل الخشية قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشوني . . الآية } ودليل الإنابة قوله تعالى : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له . . الآية } ودليل الإستعانة قوله تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } وفي الحديث : ( إذا إستعنت فاستعن بالله ) ودليل الاستعاذة قوله تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } وقوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس } ودليل الاستغاثة قوله تعالى : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم. . الآية } ودليل الذبح قوله تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له . . الآية } ومن السنة : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) ودليل النذر قوله تعالى : { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } .
الأصل الثاني : معرفة دين الإسلام بالأدلة ، وهو : الإستسلام لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة ، والبراءة من الشرك وأهله ، وهو ثلاث مراتب : الإسلام والإيمان والإحسان ، وكل مرتبة لها أركان :
فأركان الإسلام خمسة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإيقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام .
فدليل الشهادة قوله تعالى : { شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ومعناها لا معبود بحق إلا الله . . . { لا إله } نافيا جميع ما يعبد من دون الله ، { إلا الله } مثبتا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه ، وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقيه في عقبه لعلهم يرجعون } وقوله : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } .
ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ومعنى شهادة أن محمد رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر وإجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } ودليل الصيام قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ودليل الحج قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين } .
المرتبة الثانية : الإيمان ، وهو بضع وسبعون شعبة ، فأعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان .
وأركانه ستة : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ، والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين } ودليل القدر قوله تعالى : { إن كل شئ خلقناه بقدر } .
المرتبة الثالثة : الإحسان، ركن واحد وهو : أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك ، والدليل قوله تعالى : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } وقوله : { وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم } وقوله : { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه . . الآية } والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال : أن تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . فقال : صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان . قال : فمضى . . . فلبثنا مليا . فقال : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ) .
الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل إبن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، وله من العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبيا رسولا ، نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر ، وبلده مكة وهاجر إلى المدينة ، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ، والدليل قوله تعالى : { يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر } ومعنى { قم فأنذر } ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ، { وربك فكبر } أي عظمة بالتوحيد ، { وثيابك فطهر } أي طهر أعمالك عن الشرك ، { والرجز فاهجر } الرجز الأصنام ، وهجرها تركها والبراءة منها وأهلها .
أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد ، وبعد العشر عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس وصلى في مكة ثلاث سنين ، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة ، والهجرة : الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهى باقية إلى أن تقوم الساعة ، والدليل قوله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا } وقوله تعالى : { ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } . قال البغوي رحمه الله تعالى : ( سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان ) . والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام .
أخذ على هذا عشر سنين ، وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه ، ودينه باق ، وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه ، والخير الذي دل عليه التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه ، والشر الذي حذر منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه .
بعثه الله إلى الناس كافة وإفترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس ، والدليل قوله تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وأكمل الله به الدين والدليل قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } والناس إذا ماتوا يبعثون والدليل قوله تعالى : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } وقوله تعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا } وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم ، والدليل قوله تعالى : { ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } . ومن كذب بالبعث كفر والدليل قوله تعالى : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير } .
وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، والدليل قوله تعالى : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت ، والدليل قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، قال إبن القيم رحمه الله تعالى : ( الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة : إبليس لعنه الله ، ومن عبد وهو راض ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن إدعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } وهذا معنى لا اله إلا الله ، وفي الحديث : ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) .
والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة
إعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
الأولى : العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ، الثانية : العمل به ، الثالثة : الدعوة إليه ، الرابعة : الصبر على الأذى فيه ، والدليل قوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم * والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ) .
وقال البخاري رحمه الله تعالى : ( باب العلم قبل القول والعمل ) ، والدليل قوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله وإستغفر لذنبك } فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .
إعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن :
الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا بل أرسل إلينا رسولا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ، والدليل قوله تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم.
كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا } .
الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل والدليل قوله تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } .
الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، والدليل قوله تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } .
إعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصا له الدين وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ومعنى يعبدون يوحدون ، وأعظم ما أمر الله به التوحيد : وهو إفراد الله بالعبادة ، وأعظم ما نهى عنه الشرك : وهو دعوة غيره معه ، والدليل قوله تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } .
********************
فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟
فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم .
فإذا قيل لك : من ربك ؟ . . . فقل : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه ، وهو معبودي ليس لي معبود سواه ، والدليل قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } وكل من سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم .
فإذا قيل لك : بم عرفت ربك ؟ . . . فقل : بآياته ومخلوقاته ، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهما ، والدليل قوله تعالى: { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } وقوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } .
والرب هو المعبود ، والدليل قوله تعالى : { يا أيها الناس إعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : ( الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى ) والدليل قوله تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ، والدليل قوله تعالى : { ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون } .
وفي الحديث : ( الدعاء مخ العبادة ) والدليل قوله تعالى : { وقال ربكم إدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } .
ودليل الخوف قوله تعالى : { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } ودليل الرجاء قوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ودليل التوكل قوله تعالى : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } وقال : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ودليل الخشية قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشوني . . الآية } ودليل الإنابة قوله تعالى : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له . . الآية } ودليل الإستعانة قوله تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } وفي الحديث : ( إذا إستعنت فاستعن بالله ) ودليل الاستعاذة قوله تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } وقوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس } ودليل الاستغاثة قوله تعالى : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم. . الآية } ودليل الذبح قوله تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له . . الآية } ومن السنة : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) ودليل النذر قوله تعالى : { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } .
الأصل الثاني : معرفة دين الإسلام بالأدلة ، وهو : الإستسلام لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة ، والبراءة من الشرك وأهله ، وهو ثلاث مراتب : الإسلام والإيمان والإحسان ، وكل مرتبة لها أركان :
فأركان الإسلام خمسة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإيقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام .
فدليل الشهادة قوله تعالى : { شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ومعناها لا معبود بحق إلا الله . . . { لا إله } نافيا جميع ما يعبد من دون الله ، { إلا الله } مثبتا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه ، وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقيه في عقبه لعلهم يرجعون } وقوله : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } .
ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ومعنى شهادة أن محمد رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر وإجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } ودليل الصيام قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ودليل الحج قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين } .
المرتبة الثانية : الإيمان ، وهو بضع وسبعون شعبة ، فأعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان .
وأركانه ستة : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ، والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين } ودليل القدر قوله تعالى : { إن كل شئ خلقناه بقدر } .
المرتبة الثالثة : الإحسان، ركن واحد وهو : أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك ، والدليل قوله تعالى : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } وقوله : { وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم } وقوله : { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه . . الآية } والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال : أن تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . فقال : صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان . قال : فمضى . . . فلبثنا مليا . فقال : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ) .
الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل إبن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، وله من العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبيا رسولا ، نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر ، وبلده مكة وهاجر إلى المدينة ، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ، والدليل قوله تعالى : { يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر } ومعنى { قم فأنذر } ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد ، { وربك فكبر } أي عظمة بالتوحيد ، { وثيابك فطهر } أي طهر أعمالك عن الشرك ، { والرجز فاهجر } الرجز الأصنام ، وهجرها تركها والبراءة منها وأهلها .
أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد ، وبعد العشر عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس وصلى في مكة ثلاث سنين ، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة ، والهجرة : الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهى باقية إلى أن تقوم الساعة ، والدليل قوله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا } وقوله تعالى : { ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } . قال البغوي رحمه الله تعالى : ( سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان ) . والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام .
أخذ على هذا عشر سنين ، وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه ، ودينه باق ، وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه ، والخير الذي دل عليه التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه ، والشر الذي حذر منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه .
بعثه الله إلى الناس كافة وإفترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس ، والدليل قوله تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وأكمل الله به الدين والدليل قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } والناس إذا ماتوا يبعثون والدليل قوله تعالى : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } وقوله تعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا } وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم ، والدليل قوله تعالى : { ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } . ومن كذب بالبعث كفر والدليل قوله تعالى : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير } .
وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، والدليل قوله تعالى : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت ، والدليل قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، قال إبن القيم رحمه الله تعالى : ( الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة : إبليس لعنه الله ، ومن عبد وهو راض ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن إدعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } وهذا معنى لا اله إلا الله ، وفي الحديث : ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) .
والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .