[center]
عدم الثقة بالنفس
قال د. محمد بن عبد الله السحيم :
* عندما أتحدث عن الثقة بالنفس فإن المقصود منها :
أن يعرف الإنسان قدر نفسه ويتمكن من مَلَكَاته ويطمئن إلى قدراته ..
وليس المقصود منها : أن يعتمد الإنسان على نفسه ويستشعر الاستغناء عن خالقه
ويكون منطقه كمنطق قارون عندما قال – كما أخبر الله عنه – ( إنما أوتيته على علم عندي )
لأن أعظم خسارة على العبد في الدنيا أن يكله الله إلى نفسه كما أن أعظم توفيق وفلاح ونجاح في هذه الدنيا والآخرة ألا يَكِلَك الله إلى نفسك
وإنما يسددك ويعينك وينصرك نصرا مؤزرا ينشأ كثير من الشباب غير واثق بنفسه يفتقد أدنى مقومات رجولته
فتراه لا يعتمد على نفسه في كثير ولا قليل وقلما يقوم بعمل ابتداءً دائما ينتظر من يقول له : اعمل كذا وكذا
فإذا واجهته مشكلة توقف فلا يستطيع اتخاذ قرار وقد يتهرب من المواجهة وقد يبكي بحسب عمره ..
هذا جانب من جناية المربي على من يربيه من حيث لا يشعر إذ أُتِيَ من حيث أراد الإصلاح
وهذا يحدث بسبب أمور منها :
* كثرة الأمر والنهي على كل صغير وكبير حتى ولو كان الأمر لا يستحق ولكننا نتهاون في هذا الأمر – وهو التوجيه – فنسرف فيه
بل قد يوجه الطفل والأمر يحتمل هذا وهذا مما يفقد الطفل الإبداع ويجعله لا يثق بعمله بل دائما ينتظر من يصحح له ويمنحه اليقين بأن عمله صواب
* انتقاده على كل عمل يعمله
* اعتدنا – كمجتمع – على ألا نترك أثرا يمر إلا وأردفناه بالتعليق عليه حتى ولو كان لا يستحق فالإنسان - بطبعه وفطرته – يحب أن يعمل وينافس الأقران والأصحاب في إنجازه وإجادته ولكننا نقضي على هذا التوجه الجميل بكثرة الانتقاد وتتبع العثرات وتوجيه اللوم والتقريع ..
إذ قد يجتهد الابن فيخطئ فيجني اللوم والعتاب والتحطيم أكثر مما يستحق وكان ينتظر الإشادة والتوجيه على اجتهاده ...
بل قد يعمل الولد عملا وينجح فيه وننتقده فيه لأنه عمله دون الرجوع إلينا
* ألا تتاح له الفرصة في الحديث أمام الآخرين مخافة أن يخطئ أو يتحدث ويتخوض في أمور لا نرغب الحديث عنها
وإن أذِنَّا له في الحديث لقّنّاه قل : كذا وكذا حتى لا يقول إلا ما نريده
وفي هذه الحالة أنت الذي تتحدث ولكن بلسانه !
ويظهر على من فقد ثقته بنفسه – نتيجة لما سبق – آثار سيئة منها :
* لا يستطيع أن يقوم بعمل استقلالا وإذا طلب منه أن يُحضر أمرا ووجده مختلفا عما وصف له توقف ورجع بخفي حنين
وإذا واجهته مشكلة قفل راجعا ولم يتخذ قرارا
* التبلد وعدم الإبداع إذ كيف ترجو ممن أفقد ثقته بنفسه أن يبدع أو تستشرف نفسه إلى التجديد والسبق
* التبرم والضيق من كل عمل يُسند إليه وهذا التبرم ليس عجزا كما تتصور بل يضيق بما يُسند إليه من أعمال
لأنه يتصور أن اللوم حاصل له على عمله إذ يتوقع أنه لن ينجزه وفق ما يُراد فيتيقن اللوم فيحصل منه الضجر ...
* ضعف في الإرادة وخور في العزيمة واستكانة ومسكنه في غير موضعها ويستسلم لأدنى باغ ويسلم حقه ومتاعه لأول منازع
ويقف عند أول عقبة ويتراجع لأي عارض
وإذا
كنت قد جنيت على أولادك بكثرة التوجيه والمعاتبة فأفقدتهم ثقتهم بأنفسهم ووجدت هذه الأعراض ظاهرة عليهم
فلا تلمهم ولكن ابكِ على ما جنته يداك
أما
من أراد أن يُجنب ولده ومن يربيه مغبة هذه الآثار السيئة فعليه اتباع ما يلي :
* أن ترسم له خطوطا عامة ينبغي عليه اتباعها والسير في نطاقها فتخبره بما أحل الله له فيأخذ به وتحذره مما حرم الله عليه فيحذره
وتجعله على دراية بالأخلاق الفاضلة ... ثم تترك له حرية الإبداع بعد ذلك
وتجعل دائما نُصب عينيك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنس رضي الله عنه حيث قال :
( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا : لِمَ صنعت ؟ ولا ألا صنعت ؟ )
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ويستفاد من هذا : ترك العتاب على ما فات : لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه
وفائدة تنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظ الإنسان
وأما الأمور اللازمة شرعا فلا يتسامح فيها لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
وأقول : يا له من توجيه تربوي كريم لو لقي آذانا صاغية
* أسند إليه بعض المهام التي في مقدوره القيام بها بل كن متلهفا على أن تُسند إليه أي عمل تتوقع أنه سيقوم به
وإذا أخطأ شجعه على مبادرته ثم أخبره كيف كان ينبغي أن يعمل وأحيانا شجعه فقط على عمله وأكمل العمل أنت بلطف دون أن
توجهه فيكون عملك توجيها غير مباشر وإذا لم تكن المهمة في مقدوره فاستشره فيها واطلب منه بعض الأحيان إبداء رأيه في بعض
الأمور وبيان فسادها من صلاحها حتى يعلم أن الجميع عرضة للخطأ والصواب فتتقوى عزيمته ولأن تبني ثقته في نفسه
خير من أن يسلم لك بعض متاعك الذي تخاف أن يفسده إذا أسندت إليه رعايته وإصلاحه وهو لن يفسده ولكنه وهم الشيطان
* احرص على تشجيعه أمام أقاربه وعند أصحابك وامنحه من الجوائز ما يُناسب إنجازه وعليك بالإشادة بما يقوم به من عمل تعبدي
كالمحافظة على الصلاة وحفظه للقرآن وتفوقه في دراسته وعلو أخلاقه وهكذا
* ألم تَرَ كيف تفعل هذه الإشادة والتشجيع فعلها في الكبار ؟ ...
* اجعل له كُنية تميزه عن غيره وتجعله يُحس أنه بلغ مبلغ الرجال وتمنعه من الألقاب المشينة
وإذا أغضبك فناديته باسمه عرف أنه قصر في حقك أو أخطأ في حق غيرك فيتنبه
وهنا سؤال يفرض نفسه وهو :
ما العمل عندما يجني أحدنا على ولده فيفقده الثقة في نفسه ويعلم أنه قد أفقده إياها
فما السبيل إلى إصلاحه وتقويمه ؟!
فأقول ... :
* عليك اتباع الخطوات السابقة آنفا
* احرص أن تكون علاقتك به علاقة يسودها الحب والألفة حتى يقترب منك ويأنس إليك
* عندما يقوم بعمل فإن أصاب فشجعه وإن أخطأ فاجعل من نفسك كأنك لم تَرَ ولم تسمع
* اطلب منه أن يصاحبك عندما تهم بزيارة صديق أو قريب أو زيارة السوق واجعل من نصيبه شراء بعض المستلزمات
ولا تنس أن تُشيد به عند عودتك أمام أمه وإخوته .. وكيف وفِّقَ في اختيار هذا وكيف ماكس هذا ..
* أن تمازحه وتلاعبه بالقدر الذي يرفع هذا الحاجز الوهمي بينك وبينه ممازحة تستجلب الحب وتزرع الود وتبني أوثق علاقة بينكما
على ألا تكون هذه الممازحة داعية للسخرية وموجبة للازدراء
من أخطائنا في تربية أولادنا وطرق علاجها في الإسلام
تأليف / د. محمد بن عبد الله السحيم
(ص : 88 – 94 )
عدم الثقة بالنفس
قال د. محمد بن عبد الله السحيم :
* عندما أتحدث عن الثقة بالنفس فإن المقصود منها :
أن يعرف الإنسان قدر نفسه ويتمكن من مَلَكَاته ويطمئن إلى قدراته ..
وليس المقصود منها : أن يعتمد الإنسان على نفسه ويستشعر الاستغناء عن خالقه
ويكون منطقه كمنطق قارون عندما قال – كما أخبر الله عنه – ( إنما أوتيته على علم عندي )
لأن أعظم خسارة على العبد في الدنيا أن يكله الله إلى نفسه كما أن أعظم توفيق وفلاح ونجاح في هذه الدنيا والآخرة ألا يَكِلَك الله إلى نفسك
وإنما يسددك ويعينك وينصرك نصرا مؤزرا ينشأ كثير من الشباب غير واثق بنفسه يفتقد أدنى مقومات رجولته
فتراه لا يعتمد على نفسه في كثير ولا قليل وقلما يقوم بعمل ابتداءً دائما ينتظر من يقول له : اعمل كذا وكذا
فإذا واجهته مشكلة توقف فلا يستطيع اتخاذ قرار وقد يتهرب من المواجهة وقد يبكي بحسب عمره ..
هذا جانب من جناية المربي على من يربيه من حيث لا يشعر إذ أُتِيَ من حيث أراد الإصلاح
وهذا يحدث بسبب أمور منها :
* كثرة الأمر والنهي على كل صغير وكبير حتى ولو كان الأمر لا يستحق ولكننا نتهاون في هذا الأمر – وهو التوجيه – فنسرف فيه
بل قد يوجه الطفل والأمر يحتمل هذا وهذا مما يفقد الطفل الإبداع ويجعله لا يثق بعمله بل دائما ينتظر من يصحح له ويمنحه اليقين بأن عمله صواب
* انتقاده على كل عمل يعمله
* اعتدنا – كمجتمع – على ألا نترك أثرا يمر إلا وأردفناه بالتعليق عليه حتى ولو كان لا يستحق فالإنسان - بطبعه وفطرته – يحب أن يعمل وينافس الأقران والأصحاب في إنجازه وإجادته ولكننا نقضي على هذا التوجه الجميل بكثرة الانتقاد وتتبع العثرات وتوجيه اللوم والتقريع ..
إذ قد يجتهد الابن فيخطئ فيجني اللوم والعتاب والتحطيم أكثر مما يستحق وكان ينتظر الإشادة والتوجيه على اجتهاده ...
بل قد يعمل الولد عملا وينجح فيه وننتقده فيه لأنه عمله دون الرجوع إلينا
* ألا تتاح له الفرصة في الحديث أمام الآخرين مخافة أن يخطئ أو يتحدث ويتخوض في أمور لا نرغب الحديث عنها
وإن أذِنَّا له في الحديث لقّنّاه قل : كذا وكذا حتى لا يقول إلا ما نريده
وفي هذه الحالة أنت الذي تتحدث ولكن بلسانه !
ويظهر على من فقد ثقته بنفسه – نتيجة لما سبق – آثار سيئة منها :
* لا يستطيع أن يقوم بعمل استقلالا وإذا طلب منه أن يُحضر أمرا ووجده مختلفا عما وصف له توقف ورجع بخفي حنين
وإذا واجهته مشكلة قفل راجعا ولم يتخذ قرارا
* التبلد وعدم الإبداع إذ كيف ترجو ممن أفقد ثقته بنفسه أن يبدع أو تستشرف نفسه إلى التجديد والسبق
* التبرم والضيق من كل عمل يُسند إليه وهذا التبرم ليس عجزا كما تتصور بل يضيق بما يُسند إليه من أعمال
لأنه يتصور أن اللوم حاصل له على عمله إذ يتوقع أنه لن ينجزه وفق ما يُراد فيتيقن اللوم فيحصل منه الضجر ...
* ضعف في الإرادة وخور في العزيمة واستكانة ومسكنه في غير موضعها ويستسلم لأدنى باغ ويسلم حقه ومتاعه لأول منازع
ويقف عند أول عقبة ويتراجع لأي عارض
وإذا
كنت قد جنيت على أولادك بكثرة التوجيه والمعاتبة فأفقدتهم ثقتهم بأنفسهم ووجدت هذه الأعراض ظاهرة عليهم
فلا تلمهم ولكن ابكِ على ما جنته يداك
أما
من أراد أن يُجنب ولده ومن يربيه مغبة هذه الآثار السيئة فعليه اتباع ما يلي :
* أن ترسم له خطوطا عامة ينبغي عليه اتباعها والسير في نطاقها فتخبره بما أحل الله له فيأخذ به وتحذره مما حرم الله عليه فيحذره
وتجعله على دراية بالأخلاق الفاضلة ... ثم تترك له حرية الإبداع بعد ذلك
وتجعل دائما نُصب عينيك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنس رضي الله عنه حيث قال :
( خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا : لِمَ صنعت ؟ ولا ألا صنعت ؟ )
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ويستفاد من هذا : ترك العتاب على ما فات : لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه
وفائدة تنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظ الإنسان
وأما الأمور اللازمة شرعا فلا يتسامح فيها لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
وأقول : يا له من توجيه تربوي كريم لو لقي آذانا صاغية
* أسند إليه بعض المهام التي في مقدوره القيام بها بل كن متلهفا على أن تُسند إليه أي عمل تتوقع أنه سيقوم به
وإذا أخطأ شجعه على مبادرته ثم أخبره كيف كان ينبغي أن يعمل وأحيانا شجعه فقط على عمله وأكمل العمل أنت بلطف دون أن
توجهه فيكون عملك توجيها غير مباشر وإذا لم تكن المهمة في مقدوره فاستشره فيها واطلب منه بعض الأحيان إبداء رأيه في بعض
الأمور وبيان فسادها من صلاحها حتى يعلم أن الجميع عرضة للخطأ والصواب فتتقوى عزيمته ولأن تبني ثقته في نفسه
خير من أن يسلم لك بعض متاعك الذي تخاف أن يفسده إذا أسندت إليه رعايته وإصلاحه وهو لن يفسده ولكنه وهم الشيطان
* احرص على تشجيعه أمام أقاربه وعند أصحابك وامنحه من الجوائز ما يُناسب إنجازه وعليك بالإشادة بما يقوم به من عمل تعبدي
كالمحافظة على الصلاة وحفظه للقرآن وتفوقه في دراسته وعلو أخلاقه وهكذا
* ألم تَرَ كيف تفعل هذه الإشادة والتشجيع فعلها في الكبار ؟ ...
* اجعل له كُنية تميزه عن غيره وتجعله يُحس أنه بلغ مبلغ الرجال وتمنعه من الألقاب المشينة
وإذا أغضبك فناديته باسمه عرف أنه قصر في حقك أو أخطأ في حق غيرك فيتنبه
وهنا سؤال يفرض نفسه وهو :
ما العمل عندما يجني أحدنا على ولده فيفقده الثقة في نفسه ويعلم أنه قد أفقده إياها
فما السبيل إلى إصلاحه وتقويمه ؟!
فأقول ... :
* عليك اتباع الخطوات السابقة آنفا
* احرص أن تكون علاقتك به علاقة يسودها الحب والألفة حتى يقترب منك ويأنس إليك
* عندما يقوم بعمل فإن أصاب فشجعه وإن أخطأ فاجعل من نفسك كأنك لم تَرَ ولم تسمع
* اطلب منه أن يصاحبك عندما تهم بزيارة صديق أو قريب أو زيارة السوق واجعل من نصيبه شراء بعض المستلزمات
ولا تنس أن تُشيد به عند عودتك أمام أمه وإخوته .. وكيف وفِّقَ في اختيار هذا وكيف ماكس هذا ..
* أن تمازحه وتلاعبه بالقدر الذي يرفع هذا الحاجز الوهمي بينك وبينه ممازحة تستجلب الحب وتزرع الود وتبني أوثق علاقة بينكما
على ألا تكون هذه الممازحة داعية للسخرية وموجبة للازدراء
من أخطائنا في تربية أولادنا وطرق علاجها في الإسلام
تأليف / د. محمد بن عبد الله السحيم
(ص : 88 – 94 )