[center]
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
حديثنا عن حسن الخلق وخاصة أخلاق النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الذى وصفه الخالق عز وجل بقوله { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4 . وحسن الخلق هو الأمر الذى يقوم عليه الإسلام ولذا قال سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم صالح الاخلاق ) البخارى . وحسن الخلق يشتمل على حسن الخلق مع الله بأن نحقق العبودية لله ولا نشرك به شيئاً وأن نمتثل للأمر والنهى وأن يكون شعارنا { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } .. وحسن الخلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نحبه ونتبعه ونمتثل لأمره .. وحسن الخلق مع كتاب الله عز وجل بأن نقرأه ونتدبره ونعمل بما فيه ونتحاكم إليه فى كل صغيرة وكبيرة .. وحسن الخلق مع الملائكة بان يعلم كل منا أن معه ملائكة لا تفارقه تكتب عليه كل أقواله وأعماله فيتولد عنده الحياء من أن يفعل معصية بل يحرص على فعل الحسنات .. وأما حسن الخلق مع الناس بأن تكون طليق الوجه رحيماً متسامحاً ليناً فى دعوتك مع البر والفاجر ولكن من غير مداهنة فقد قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أمرهما بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه44 . ... فانت لست أفضل من موسى وهارون عليهما السلام .. ومن تدعوه ليس بأخبث من فرعون .. فتعالوا بنا نتعايش بقلوبنا ونتحدث عن الأخلاق .. عن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وعن الأخلاق عامة .. عسى أن ينفعنا الله وإياكم .
قبسات من أخلاق الرسول
سلسلة
(5) الرحمـــة
أين الرحمة ؟ ..
وقد غابت بين الناس وافتقدنا هذا الخلق الجليل إلا من رحم الله .. إننا على قدر الرحمة التى تكون فى قلوبنا لمن حولنا سنجد الرحمة من أرحم الراحمين عز وجل .. وقد أمرنا الله أن نتأسى ونقتدى بالأنبياء والمرسلين فقال تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } الأنعام90 . وقد وصف الله رسوله وأصحابه بقوله: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } الفتح29 . وقال تعالى لنبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران 159 .
وأخبر النبى أن الرحمة إذا كانت بين المؤمنين فإنها تجعلهم كالجسد الواحد فقال كما فى الصحيحين: ( ترى المؤمنين : في تراحمهم ، وتوادهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضوا ، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) .
وأخبر النبى أن الرحمة من صفات أهل الجنة فقد قال كما عند مسلم: ( وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق . ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ، ومسلم . وعفيف متعفف ذو عيال ) .
وأخبر النبى أنه لن يدخل أحد جنة الرحمن إلا برحمته عز وجل فقال كما فى الصحيحين: ( لن يدخل أحدا عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ) .
والله عز وجل لا يرحم إلا أهل الرحمة كما أخبر بذلك النبى حيث قال كما فى الصحيحين : ( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) .
الراحمون يرحمهم الرحمن عز وجل
إن قلب المؤمن يفيض بالرحمة على كل من حوله .. فهو يعلم يقيناً أنه على قدر الرحمة التى تكون فى قلبه للناس من حوله فإنه سيجد فى مقابلها رحمة أعظم منها تنتظره فى الدنيا والآخرة من الرحمن الرحيم عز وجل فهو يرحم كل من يرحم عباده : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) البخارى1284 . وقال كما فى الصحيحين: ( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) . فالرحمة دليل على سعة الصدر ورقة القلب وسمو النفس .. وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله : ( لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا : يا رسول الله ! كلنا رحيم . قال : إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ، ولكنها رحمة العامة ) صحيح الترغيب 2253 .
من مظاهر رحمته عز وجل:
(1) نعمة الخلق والإمداد والإيجاد: قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } الزمر62 . وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } الإنفطار6-8 . فالله هو الذى خلقك ورزقك وأسبغ عليك نعمه ظاهلاة وباطنة وسخر لك الكون كله .. قال تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } هود6 .
قال ابن عطاء السكندرى رحمه الله: نعمتان ما خرج موجود عنهما ولا بد لكل مكون منهما : نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد . وقال: أنعم عليك أولاً بالإيجاد وثانياً بتوالى الإمداد . الحكم العطائية ص 21 .
(2) نعمة الهداية والإرشاد: وهذه والله نعمة جليلة لا يعرف الناس قدرها .. فلك أن تتخيل أن هناك من يعبد البقر وهناك من يعبد الحجر وهناك من يعبد النار .. فى الوقت الذى إختارك الله فيه لتكون مسلماً موحداً متبعاً للنبى فهل تستطيع أن تشكر الله شكراً حقيقياً على هذه النعمة ؟ .. قال تعالى: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } الأنعام122 .
(3) إرسال الرسل وإنزال الكتب: ومن رحمة الله بعباده أن أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب.. ولولا ذلك لعاشوا فى ظلمات الجهل والضلال . قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } يونس57-58 . وقال تعالى: { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } النحل64 . وقال تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}النحل89 . وقد وسع ربنا كل شئ علماً فوسعت رحمته كل شئ وأحاط بكل شئ علماً فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها .. بل هو أرحم بالعبد من نفسه كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه . اغاثة اللهفان ( 2/172-175) بتصرف .
(4) التشريع من رحمة الله بعباده: ومن رحمته جل وعلا بعباده أنه لم يترك أى أمة بلا تشريع .. فشرع لكل أمة ما يناسبها وذلك لأن الأنبياء جاءوا بدعوة الناس إلى توحيد الخالق عز وجل وإنما كان الإختلاف فى الشرائع كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } المائدة48 . فإتباع الشرع من أعظم أسباب الفوز برحمة الله .. والسعادة لمن عاش على شرع الله وعلى سنة رسول الله .. قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } آل عمران31 .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن رحمته سبحانه : إبتلاء الخلق بالاوامر والنواهى رحمة لهم وحمية لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به ... وقال: الرحمة سبب واصل بين الله عز وجل وبين عباده ، بها أرسل إليهم الرسل ، وأنزل عليهم كتبه وبها هداهم ، وبها يُسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سبب الرحمة . التفسير القيم ص35 .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: إن الشريعة كلها مبنية على الرحمة فى أصولها ، وفى فروعها ، وفى الأمر بأداء الحقوق ، سواء كانت لله أو للخلق ، فإن الله لم يكلف نفساً إلا وسعها ، وإذا تدبرت ما شرعه الله عز وجل فى المعاملات ، والحقوق الزوجية ، وحقوق الوالدين ، والأقربين ، والجيران ، وسائر ما شرع وجدت ذلك مبنياً على الرحمة ... وقال: لقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق ، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفقون من الخلق . الرياض النضرة والحدائق النيرة ص61-65 .
(5) نغص علينا الدنيا لكي لا نركن إليها : قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن رحمته أن نغص علينا الدنيا وكدرها ، لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا عن النعيم المقيم فى داره وجواره ، فساقهم إليها بسياط الإبتلاء والإمتحان فمنعهم ليعطيهم ، وإبتلاهم ليعافيهم ن وأماتهم ليحييهم . إغاثة اللهفان2/175 .
(6) جعل رحمته ثواباً للمؤمنين الصابرين: قال تعالى موضحاً أنه جعل رحمته ثواباً للمؤمنين الصابرين: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } البقرة156-157 .. وقال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71 .. وقال تعالى: { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف56 .
(7) رحمات خاصة بأمة الإسلام: أكرم الله أمة الحبيب محمد وإختصها بأشياء لم تكن لأمة من الأمم..
1- شهد لها بأنها خير أمة: قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } آل عمران110 .. وقال : ( إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) الترمذى .
2- أجارها الله أن تجتمع على ضلالة: قال : ( إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة ) الصحيحة1331 .
3- يبعث لها على كل رأس مائة سنة من يجدد لها دينها: قال : (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) أبو داود4291 .
4- فضلنا على الناس بثلاث: قال : ( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، و جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، و أعطيت هذه الآيات من آخر سوره البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي ) صحيح الجامع4223 .
5- وغيرها كثير من رحمة الله بأمة الإسلام : فتجاوز الله للأمة عما توسوس به صدورهم .. وأحل الله لها الغنائم .. وأعطاها الأجر الكبير على العمل اليسير ..والستر بعد المعصية .. وإمهال العصاة .. وتيسير التوبة وجعلها الأمة الشاهدة على البشرية يوم القيامة .. وأنه سيدخل خلق كثير منهم الجنة بغير حساب ..وأن ثلثا أهل الجنة من أمة الحبيب محمد
( بعثة النبى محمد : قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } الأنبياء107 . وقال تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } التوبة 128 . فبعثة النبى كانت رحمة من الله للكون كله .
الرحمة فى حياة النبى:
لقد كان النبىيتمنى إيصال الخير لأمته لفرط محبته لتلك الأمة المباركة ويخشى المشقة على أمته فيقول : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ) البخارى . ويقول : (إني لأدخل في الصلاة ، فأريد إطالتها ، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز ، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه . ) البخارى710 .
وفى رحلة الإسراء والمعراج عندما فرض الله على الأمة خمسين صلاة ظل النبى يسأل ربه عز وجل التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات بأجر خمسين صلاة .. رحمة بأمته .
وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: (قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( من لا يرحم لا يرحم ) . البخارى5997 .
وروى البخارى عن أسامة بن زيد رضى الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه الآخر ، ثم يضمهما ، ثم يقول : ( اللهم إرحمهما فإني أرحمهما ) . البخارى6003 .
كيف تفوز برحمة الله
لابد أن نعلم أننا إذا أردنا أن نتحلى بخلق الرحمة فعلينا أن نتأسى بالنبى الذى مزجت حياته كلها بالرحمة .
وإذا أردنا أن نفوز برحمة الله عز وجل فعلينا أن نرحم كل من حولنا .. فيرحم كل واحد منا والديه وزوجته وأولاده واخوته وجيرانه والخدم الذين يعملون عنده ويتامى المسلمين والمرضى وذوى العاهات بل ونرحم حتى الدواب لنفوز برحمة الله ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) البخارى7448 .
واعلم أن الرحمة تجعلك تفوز بمحبة الله ثم بمحبة الناس.. وأنك بتلك الرحمة يوفقك الله بترك المعاصى ونيل الدرجات فهى دليل عملى على رقة القلب وسمو النفس .. وهى سبب إشاعة الرحمة بين أفراد المجتمع فهى تجمع شمله وترفع من مستواه
واعلم أيضاً أن الجنة هى دار الرحمة ولا يدخلها إلا الراحمون . وعلى قدر الرحمة التى فى قلبك سترتقى فى درجات الجنة .
أسأل الله عز وجل أن يسكن الرحمة فى قلوبنا حتى نرحم كل من حولنا لنكون أهلاً للفوز برحمته عز وجل فى الدنيا والآخرة .
لا تنسونا من دعائكم الصالح
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
حديثنا عن حسن الخلق وخاصة أخلاق النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الذى وصفه الخالق عز وجل بقوله { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4 . وحسن الخلق هو الأمر الذى يقوم عليه الإسلام ولذا قال سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم صالح الاخلاق ) البخارى . وحسن الخلق يشتمل على حسن الخلق مع الله بأن نحقق العبودية لله ولا نشرك به شيئاً وأن نمتثل للأمر والنهى وأن يكون شعارنا { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } .. وحسن الخلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نحبه ونتبعه ونمتثل لأمره .. وحسن الخلق مع كتاب الله عز وجل بأن نقرأه ونتدبره ونعمل بما فيه ونتحاكم إليه فى كل صغيرة وكبيرة .. وحسن الخلق مع الملائكة بان يعلم كل منا أن معه ملائكة لا تفارقه تكتب عليه كل أقواله وأعماله فيتولد عنده الحياء من أن يفعل معصية بل يحرص على فعل الحسنات .. وأما حسن الخلق مع الناس بأن تكون طليق الوجه رحيماً متسامحاً ليناً فى دعوتك مع البر والفاجر ولكن من غير مداهنة فقد قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أمرهما بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه44 . ... فانت لست أفضل من موسى وهارون عليهما السلام .. ومن تدعوه ليس بأخبث من فرعون .. فتعالوا بنا نتعايش بقلوبنا ونتحدث عن الأخلاق .. عن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وعن الأخلاق عامة .. عسى أن ينفعنا الله وإياكم .
قبسات من أخلاق الرسول
سلسلة
(5) الرحمـــة
أين الرحمة ؟ ..
وقد غابت بين الناس وافتقدنا هذا الخلق الجليل إلا من رحم الله .. إننا على قدر الرحمة التى تكون فى قلوبنا لمن حولنا سنجد الرحمة من أرحم الراحمين عز وجل .. وقد أمرنا الله أن نتأسى ونقتدى بالأنبياء والمرسلين فقال تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } الأنعام90 . وقد وصف الله رسوله وأصحابه بقوله: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } الفتح29 . وقال تعالى لنبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران 159 .
وأخبر النبى أن الرحمة إذا كانت بين المؤمنين فإنها تجعلهم كالجسد الواحد فقال كما فى الصحيحين: ( ترى المؤمنين : في تراحمهم ، وتوادهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضوا ، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) .
وأخبر النبى أن الرحمة من صفات أهل الجنة فقد قال كما عند مسلم: ( وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق . ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ، ومسلم . وعفيف متعفف ذو عيال ) .
وأخبر النبى أنه لن يدخل أحد جنة الرحمن إلا برحمته عز وجل فقال كما فى الصحيحين: ( لن يدخل أحدا عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ) .
والله عز وجل لا يرحم إلا أهل الرحمة كما أخبر بذلك النبى حيث قال كما فى الصحيحين : ( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) .
الراحمون يرحمهم الرحمن عز وجل
إن قلب المؤمن يفيض بالرحمة على كل من حوله .. فهو يعلم يقيناً أنه على قدر الرحمة التى تكون فى قلبه للناس من حوله فإنه سيجد فى مقابلها رحمة أعظم منها تنتظره فى الدنيا والآخرة من الرحمن الرحيم عز وجل فهو يرحم كل من يرحم عباده : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) البخارى1284 . وقال كما فى الصحيحين: ( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) . فالرحمة دليل على سعة الصدر ورقة القلب وسمو النفس .. وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله : ( لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا : يا رسول الله ! كلنا رحيم . قال : إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ، ولكنها رحمة العامة ) صحيح الترغيب 2253 .
من مظاهر رحمته عز وجل:
(1) نعمة الخلق والإمداد والإيجاد: قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } الزمر62 . وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } الإنفطار6-8 . فالله هو الذى خلقك ورزقك وأسبغ عليك نعمه ظاهلاة وباطنة وسخر لك الكون كله .. قال تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } هود6 .
قال ابن عطاء السكندرى رحمه الله: نعمتان ما خرج موجود عنهما ولا بد لكل مكون منهما : نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد . وقال: أنعم عليك أولاً بالإيجاد وثانياً بتوالى الإمداد . الحكم العطائية ص 21 .
(2) نعمة الهداية والإرشاد: وهذه والله نعمة جليلة لا يعرف الناس قدرها .. فلك أن تتخيل أن هناك من يعبد البقر وهناك من يعبد الحجر وهناك من يعبد النار .. فى الوقت الذى إختارك الله فيه لتكون مسلماً موحداً متبعاً للنبى فهل تستطيع أن تشكر الله شكراً حقيقياً على هذه النعمة ؟ .. قال تعالى: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } الأنعام122 .
(3) إرسال الرسل وإنزال الكتب: ومن رحمة الله بعباده أن أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب.. ولولا ذلك لعاشوا فى ظلمات الجهل والضلال . قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } يونس57-58 . وقال تعالى: { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } النحل64 . وقال تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}النحل89 . وقد وسع ربنا كل شئ علماً فوسعت رحمته كل شئ وأحاط بكل شئ علماً فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها .. بل هو أرحم بالعبد من نفسه كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه . اغاثة اللهفان ( 2/172-175) بتصرف .
(4) التشريع من رحمة الله بعباده: ومن رحمته جل وعلا بعباده أنه لم يترك أى أمة بلا تشريع .. فشرع لكل أمة ما يناسبها وذلك لأن الأنبياء جاءوا بدعوة الناس إلى توحيد الخالق عز وجل وإنما كان الإختلاف فى الشرائع كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } المائدة48 . فإتباع الشرع من أعظم أسباب الفوز برحمة الله .. والسعادة لمن عاش على شرع الله وعلى سنة رسول الله .. قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } آل عمران31 .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن رحمته سبحانه : إبتلاء الخلق بالاوامر والنواهى رحمة لهم وحمية لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به ... وقال: الرحمة سبب واصل بين الله عز وجل وبين عباده ، بها أرسل إليهم الرسل ، وأنزل عليهم كتبه وبها هداهم ، وبها يُسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سبب الرحمة . التفسير القيم ص35 .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: إن الشريعة كلها مبنية على الرحمة فى أصولها ، وفى فروعها ، وفى الأمر بأداء الحقوق ، سواء كانت لله أو للخلق ، فإن الله لم يكلف نفساً إلا وسعها ، وإذا تدبرت ما شرعه الله عز وجل فى المعاملات ، والحقوق الزوجية ، وحقوق الوالدين ، والأقربين ، والجيران ، وسائر ما شرع وجدت ذلك مبنياً على الرحمة ... وقال: لقد وسعت هذه الشريعة برحمتها وعدلها العدو والصديق ، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفقون من الخلق . الرياض النضرة والحدائق النيرة ص61-65 .
(5) نغص علينا الدنيا لكي لا نركن إليها : قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن رحمته أن نغص علينا الدنيا وكدرها ، لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا عن النعيم المقيم فى داره وجواره ، فساقهم إليها بسياط الإبتلاء والإمتحان فمنعهم ليعطيهم ، وإبتلاهم ليعافيهم ن وأماتهم ليحييهم . إغاثة اللهفان2/175 .
(6) جعل رحمته ثواباً للمؤمنين الصابرين: قال تعالى موضحاً أنه جعل رحمته ثواباً للمؤمنين الصابرين: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } البقرة156-157 .. وقال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71 .. وقال تعالى: { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف56 .
(7) رحمات خاصة بأمة الإسلام: أكرم الله أمة الحبيب محمد وإختصها بأشياء لم تكن لأمة من الأمم..
1- شهد لها بأنها خير أمة: قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } آل عمران110 .. وقال : ( إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) الترمذى .
2- أجارها الله أن تجتمع على ضلالة: قال : ( إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة ) الصحيحة1331 .
3- يبعث لها على كل رأس مائة سنة من يجدد لها دينها: قال : (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) أبو داود4291 .
4- فضلنا على الناس بثلاث: قال : ( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، و جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، و أعطيت هذه الآيات من آخر سوره البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي ) صحيح الجامع4223 .
5- وغيرها كثير من رحمة الله بأمة الإسلام : فتجاوز الله للأمة عما توسوس به صدورهم .. وأحل الله لها الغنائم .. وأعطاها الأجر الكبير على العمل اليسير ..والستر بعد المعصية .. وإمهال العصاة .. وتيسير التوبة وجعلها الأمة الشاهدة على البشرية يوم القيامة .. وأنه سيدخل خلق كثير منهم الجنة بغير حساب ..وأن ثلثا أهل الجنة من أمة الحبيب محمد
( بعثة النبى محمد : قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } الأنبياء107 . وقال تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } التوبة 128 . فبعثة النبى كانت رحمة من الله للكون كله .
الرحمة فى حياة النبى:
لقد كان النبىيتمنى إيصال الخير لأمته لفرط محبته لتلك الأمة المباركة ويخشى المشقة على أمته فيقول : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ) البخارى . ويقول : (إني لأدخل في الصلاة ، فأريد إطالتها ، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز ، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه . ) البخارى710 .
وفى رحلة الإسراء والمعراج عندما فرض الله على الأمة خمسين صلاة ظل النبى يسأل ربه عز وجل التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات بأجر خمسين صلاة .. رحمة بأمته .
وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: (قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( من لا يرحم لا يرحم ) . البخارى5997 .
وروى البخارى عن أسامة بن زيد رضى الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه الآخر ، ثم يضمهما ، ثم يقول : ( اللهم إرحمهما فإني أرحمهما ) . البخارى6003 .
كيف تفوز برحمة الله
لابد أن نعلم أننا إذا أردنا أن نتحلى بخلق الرحمة فعلينا أن نتأسى بالنبى الذى مزجت حياته كلها بالرحمة .
وإذا أردنا أن نفوز برحمة الله عز وجل فعلينا أن نرحم كل من حولنا .. فيرحم كل واحد منا والديه وزوجته وأولاده واخوته وجيرانه والخدم الذين يعملون عنده ويتامى المسلمين والمرضى وذوى العاهات بل ونرحم حتى الدواب لنفوز برحمة الله ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) البخارى7448 .
واعلم أن الرحمة تجعلك تفوز بمحبة الله ثم بمحبة الناس.. وأنك بتلك الرحمة يوفقك الله بترك المعاصى ونيل الدرجات فهى دليل عملى على رقة القلب وسمو النفس .. وهى سبب إشاعة الرحمة بين أفراد المجتمع فهى تجمع شمله وترفع من مستواه
واعلم أيضاً أن الجنة هى دار الرحمة ولا يدخلها إلا الراحمون . وعلى قدر الرحمة التى فى قلبك سترتقى فى درجات الجنة .
أسأل الله عز وجل أن يسكن الرحمة فى قلوبنا حتى نرحم كل من حولنا لنكون أهلاً للفوز برحمته عز وجل فى الدنيا والآخرة .
لا تنسونا من دعائكم الصالح