[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أسباب مضاعفة الأعمال
كتبها عبد الرحمن ناصر السعدي رحمه الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ماهي الأسباب والأعمال التي يضاعف ثوابها ؟
الجواب : ، وبالله التوفيق :
أما مضاعفة العمل بالحسنة إلى عشر أمثالها ، فهذا لابد منه في كل عمل صالح ، كما قال تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [الأنعام 1]
وأما المضاعفة بزيادة عن ذلك ، وهي مراد السائل ، فلها أسباب : إما متعلقة بالعامل ، أو بالعمل نفسه ، أو بزمانه أو بمكانه وآثاره .
فمن أهم أسباب المضاعفة : إذا حقق العبد في عمله الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فالعمل إذا كان من الأعمال المشروعة ، وقصد العبد به رضا ربه وثوابه ، وحقق هذا القصد بأن جعله هو الداعي له إلى العمل ، وهو الغاية لعمله ، بأن يكون عمله صادر عن ايمان بالله ورسوله ، وأن يكون الداعي له لأجل أمر الشارع ، وأن يكون القصد منه وجه الله ورضاه كما ورد في عدة آيات وأحاديث هذا المعنى ، كقوله تعالى { إنما يتقبل الله من المتقين }[المائدة 27]أي المتقين لله في عملهم بتحقيق الإخلاص والمتابعة ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام رمضان ايمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه " وغيرها من النصوص ، والقليل من العمل مع الإخلاص الكامل يرجع بالكثير الذي لم يصل إلى مرتبته في قوة الإخلاص ، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة تتفاضل عند الله بتفاضل ما يقوم بالقلوب من الايمان والإخلاص ، ويدخل في الأعمال الصالحة التي تتفاضل بتفاضل الإخلاص ، ترك ما تشتهيه النفوس من الشهوات المحرمة ، إذا تركها خالصا من قلبه ، ولم يكن لتركها من الدواعي غير الإخلاص ، وقصة أصحاب الغار شاهدة بذلك
· ومن أسباب المضاعفة : وهو أصل وأساس لما تقدم ، صحة العقيدة ، وقوة الايمان بالله وصفاته ، وقوة إرادة العبد ، ورغبته في الخير ، فإن أهل السنة والجماعة المحضة ، وأهل العلم الكامل المفصل بأسماء الله وصفاته ، وقوة لقاء الله ، تضاعف أعمالهم مضاعفة كبيرة لا يحصل مثلها ، ولا قريب منها ، لمن لم يشاركوهم في هذا الايمان والعقيدة ، ولهذا كان السلف يقولون : " أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت به عقائدهم ، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم قعدت بهم عقائدهم .
ووجه الاعتبار أن أهل السنة مهتدون ، وأهل البدع ضالون ، ومعلوم الفرق بين من يمشي على الصراط المستقيم ، وبين من هو منحرف عنه إلى طرق الجحيم ، وغايته أن يكون ضالا متأولا .
· ومن أسباب مضاعفة العمل : أن يكون من الأعمال التي نفعها للإسلام والمسلمين له وقع وأثر وغناء ، ونفع كبير ، وذلك كالجهاد في سبيل الله : الجهاد البدني ، والمالي والقولي ، ومجادلة المنحرفين ، كما ذكر الله نفقة المجاهدين ومضاعفتها بسبعمائة ضعف .
ومن أعظم الجهاد سلوك طريق العلم والتعليم ، فإن الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا يوازنه عمل من الأعمال ، لما فيه من إحياء العلم والدين ، وإرشاد الجاهلين ، والدعوة إلى الخير ، والنهي عن الشر ، والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه ، فمن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، ومن ذلك المشاريع الخيرية التي فيها إعانة للمسلمين على أمور دينهم ودنياهم التي يستمر نفعها ، ويتسلسل إحسانها ، كما ورد في الصحيح " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له "
· ومن الأعمال المضاعفة : العمل الذي قام به العبد شاركه فيه غيره فهذا أيضا يضاعف بحسب من شاركه ومن كان هو سبب قيام إخوانه المسلمين بذلك العمل ، فهذا بلا ريب يزيد أضعافا مضاعفة على عمل إذا عمله العبد لم يشاركه فيه أحد ، بل هو من الأعمال القاصرة على عاملها ، ولهذا فضل الفقهاء الأعمال المتعدية للغير على الأعمال القاصرة .
· ومن الأعمال المضاعفة : إذا كان العمل له وقع عظيم ، ونفع كبير كما إذا كان فيه إنجاء من مهلكة ، وإزالة ضرر المتضررين ، وكشف الكرب عن المكروبين .
فكم من عمل من هذا النوع يكون أكبر سبب لنجاة العبد من العقاب وفوزه بجزيل الثواب حتى البهائم إذا أزيل ما يضرها كان الأجر عظيما
وقصة المرأة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش ، فغفر لها بغيها ، شاهدة بذلك .
· ومن أسباب المضاعفة : أن يكون العبد حسن الإسلام ، حسن الطريقة ، تاركا للذنوب ، غير مصر على شيء منها ، فإن أعمال هذا مضاعفة ، كما ورد بذلك الحديث الصحيح " إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ..."
· ومن أسبابها رفعة العامل عند الله ومقامه العالي في الإسلام ، فإن الله تعالى شكور حليم .. لهذا كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم أجرهن مضاعف ، قال تعالى { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين } [الأحزاب 31]
· وكذلك العالم الرباني ، وهو العالم العامل المعلم ، تكون مضاعفةً أعماله بحسب مقامه عند الله .
كما أن أمثال هؤلاء إذا وقع منهم الذنب ، كان أعظم من غيرهم ، لما يجب عليهم من زيادة التحرز ، ولما يجب من زيادة الشكر لله على ما خصهم به من النعم .
· ومن الأسباب : الصدقة من الكسب الطيب : كما وردت بذلك النصوص .
· ومنها : شرف المكان كالعبادة في المساجد الثلاثة .
· ومنها شرف الزمان : كصيام رمضان وعشر ذي الحجة ونحوها ، والعبادة في الأوقات التي حث الشارع على قصدها ، كالصلاة في آخر الليل ، وصيام الأيام الفاضلة ، ونحوها .
وهذا كله راجع إلى تحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم المكمّل ـ مع الإخلاص ـ للأعمال ، المنمي لثوابها عند الله .
· ومن أسباب المضاعفة : القيام بالأعمال الصالحة عند المعارضات النفسية والمعارضات الخارجية ، فكلما كانت المعارضات أقوى والدواعي للترك أكثر ، كان العمل أكمل وأكثر مضاعفة ، وأمثلة هذا كثيرة جدا ، ولكن هذا ضابطها .
· ومن أهم ما يضاعف فيه العمل : الاجتهاد في تحقيق مقام الإحسان والمراقبة ، وحضور القلب في العمل ، فكلما كانت هذه الأمور أقوى كان الثواب أكثر ، ولهذا ورد في الحديث " ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها " ، فالصلاة ونحوها وإن كانت تجزئ إذا أتى بصورتها الظاهرة وواجباتها الظاهرة والباطنة ، إلا أن كمال القبول وكمال الثواب وزيادة الحسنات ، ورفعة الدرجات ، وتكفير السيئات ، وزيادة نور الايمان بحسب حضور القلب في العبادة ، ولهذا كان من أسباب مضاعفة العمل ، حصول أثره الحسن في نفع العبد ، وزيادة ايمانه ورقة قلبه وطمأنينته ، وحصول المعاني المحمودة للقلب من آثار العمل ، فإن الأعمال كلما كملت كانت آثارها في القلوب أحسن الآثار ، وبالله التوفيق .
· ومن لطائف المضاعفة : أن إسرار العمل قد يكون سببا لمضاعفة الثواب ، فإن من السبعة الذين يضلهم الله في ظله " رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " ومنهم " رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " كما أن إعلانها قد يكون سببا للمضاعفة ، كالأعمال التي تحصل فيها الأسوة والاقتداء ، وهذا مما يدخل في القاعدة المشهورة " قد يعرض للعمل المفضول من المصالح ما يصيره أفضل من غيره " .
· ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين أن الاتصاف في كل الأوقات بقوة الإخلاص لله ، ومحبة الخير للمسلمين ، مع اللهج بذكر الله ، لا يلحقها شيء من الأعمال ، وأهلها سابقون لكل فضيلة وأجر وثواب ، وغيرها من الأعمال تبع لها ، فأهل الإخلاص والإحسان والذكر ، هم السابقون السابقون ، المقربون في جنات النعيم .